(خصال كانت في العرب كملها الإسلام)
44 – ( خياركم من أطعم الطعام ) .
رواه لوين في " أحاديثه " ( 25 / 2 ) : حدثنا عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال : قال عمر لصهيب : أي رجل أنت ، لولا خصال ثلاث فيك ! قال : و ما هن ؟ قال : اكتنيت و ليس لك ولد ، و انتميت إلى العرب و أنت من الروم و فيك سرف في الطعام .
قال : أما قولك : اكتنيت و لم يولد لك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى و أما قولك : انتميت إلى العرب و لست منهم ، و أنت رجل من الروم .
فإني رجل من النمر بن قاسط فسبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام عرفت نسبي و أما قولك : فيك سرف في الطعام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .
و هكذا أخرجه ابن عساكر ( 8 / 194 - 195 ) و الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 16 / 1 ) و الحافظ ابن حجر في " الأحاديث العاليات " ( رقم 25 ) و قال :" حديث حسن رواه ابن ماجه و أبو يعلى و الطبراني " .
قلت : و له شواهد من حديث جابر و غيره ، عند ابن عساكر يرتقي بها الحديث إلى درجة الصحة . أما ابن ماجه فروى ( 3737 ) قصة الكنية فقط . و قال البوصيري في " الزوائد " : " إسناده حسن " . و رواه أحمد ( 6 / 16 ) بتمامه و زاد : " و رد السلام " . و إسناده حسن و هو و إن كان فيه زهير و هو ابن محمد التميمي الخراساني فإنه من رواية غير الشاميين عنه و هي مستقيمة .
ثم رواه أحمد ( 6 / 333 ) من طريق زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب : (فذكر نحوه) . و رجاله ثقات لكنه منقطع بين زيد و عمر . و له شاهد عند لوين من حديث أبي هريرة مرفوعا . و رجاله ثقات غير أبي عبيد مولى عبد الرحمن الراوي له عن أبي هريرة فلم أجد له ترجمة .
من فوائد الحديث
و في هذا الحديث فوائد :
الأولى : مشروعية الاكتناء لمن لم يكن له ولد بل قد صح في البخاري و غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم :" كنى طفلة صغيرة حينما كساها ثوبا جميلا فقال لها :"هذا سنا يا أم خالد ، هذا سنا يا أم خالد " .
و قد هجر المسلمون لاسيما الأعاجم منهم هذه السنة العربية الإسلامية ، فقلما تجد من يكتني منهم و لو كان له طائفة من الأولاد ، فكيف من لا ولد له ؟ و أقاموا مقام هذه السنة ألقابا مبتدعة مثل : الأفندي و البيك و الباشا ثم السيد ، أو الأستاذ ، و نحو ذلك مما يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها في أحاديث كثيرة فليتنبه لهذا .
الثانية : فضل إطعام الطعام ، و هو من العادات الجميلة التي امتاز بها العرب على غيرهم من الأمم ثم جاء الإسلام و أكد ذلك أيما توكيد كما في هذا الحديث الشريف ، بينما لا تعرف ذلك أوربا و لا تستذوقه اللهم إلا من دان بالإسلام منها كالألبان و نحوهم و إن مما يؤسف له أن قومنا بدؤوا يتأثرون بأوربا في طريقة حياتها ما وافق الإسلام منها و ما خالف فأخذوا لا يهتمون بالضيافة و لا يلقون لها بالا اللهم إلا ما كان منها في المناسبات الرسمية و لسنا نريد هذا بل إذا جاءنا أي صديق مسلم وجب علينا أن نفتح له دورنا و أن نعرض عليه ضيافتنا ، فذلك حق له علينا ثلاثة أيام ، كما جاء في الأحاديث الصحيحة و إن من العجائب التي يسمعها المسلم في هذا العصر الاعتزاز بالعربية ، ممن لا يقدرها قدرها الصحيح ، إذ لا نجد في كثير من دعاتها اللفظيين من تتمثل فيه الأخلاق العربية ، كالكرم ، و الغيرة ، و العزة و غيرها من الأخلاق الكريمة التي هي من مقومات الأمم ، و رحم الله من قال :
و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ....... فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
و أحسن منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
45 – ( إنما بعثت لأتمم مكارم و في رواية صالح الأخلاق ) ( 1).
السلسلة الصحيحة (ج1_ص 109_112) القسم الأول .
___________________
(1 ) رواه البخاري في " الأدب المفرد " رقم ( 273 ) ، و ابن سعد في " الطبقات " ( 1 / 192 ) ، و الحاكم ( 2 / 613 ) ، و أحمد ( 2 / 318 ) ، و ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 6 / 267 / 1 ) من طريق ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا . و هذا إسناد حسن ، و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " و وافقه الذهبي ! و ابن عجلان ، إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره . و له شاهد ، أخرجه ابن وهب في " الجامع " ( ص 75 ) : أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم مرفوعا به . و هذا مرسل حسن الإسناد ، فالحديث صحيح . و قد رواه مالك في " الموطأ " ( 2 / 904 / 8 ) بلاغا .
و قال ابن عبد البر : " هو حديث صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة و غيره " .