مجنون ميت لافتة مطرية
لشاعر الحرية
لاحَ لي في مسجدِ النور
على غيرِ انتظارِ
...
يُلهِبُ الموكبَ بالعزمِ
ومن عينيهِ ينثالُ بريقُ الانتصارِ
راكضاً بين الجموعْ
هاتفاً : أَهلكَنا سيفُ الخضوعْ
لا
رجوعْ
لا رجوعْ
آنَ للجائعِ أن يُشهِرَ للمُتخَمِ سيفَهْ
آنَ أن يشطُرَهُ نصفينِ
كي يأكُلَ عند الجوعِ نِصفَهْ
ثمَّ يرمي نصفَهُ الثاني
طعاماً للضواري !
* * *
قبلَ بَدءِ الانتشارِ
طرأتْ في ساحةِ المسجدِ قوّاتُ
الطواري
هطلَ الموتُ رصاصاً
وعِصِّيا
وحجاراً
وعَلَتْ في هامةِ الأفقِ
سحاباتُ دخانٍ وغُبارِ
وأطلَّ الليلُ من ثوبِ النهارِ .
وتلفّتُ
فلمْ ألمحْ
صديقي بجواري !
* * *
ومضى اليومُ
ولما
أقبلَ الليلُ
تهادى نحوَ داري
حاسِرَ الرأسِ ، جريحاً ،
نصفَ عارِ .
طرقَ البابَ ، ونادى هامساً :
" ياللّي هِنا
.. دَستورْ "
ناديتُ : حَذارِ
أُلغِيَ الدستورُ والشعبُ
بمرسومٍ وزاري .
إبتلعْ صوتَك وادخُلْ
قبل أن
يفطنَ جاري ..
آهِ من فِطْنَةِ جاري
إنّه كلبٌ حضاري
مَرِنٌ .. يعقِرُ في وضْعٍ يمينيٍّ
وفي وضعٍ يساري
شفرةٌ
تحلقُ .. أو تذبحُ
حَسْبَ الاختيارِ
فهو
قوّادٌ لدى بعضِ فئاتِ الشعبِ
في الليلِ
وقوّادٌ لدى
السلطةِ أثناءَ النهارِ !
* * *
قالَ في شبهِ
اعتذارِ :
حسناً .. لذتُ سريعاً بالفرارِ .
لا تؤاخذني
ففي أيامِنا كُنَّا إذا كنّا نجوعْ
نُشهرُ السيفَ وننفى في
البراري
لم يكنْ في عهْدِنا عَومٌ بأنهارِ المجاري
لم
يكنْ في عهْدِنا غازٌ مسيلٌ للدموعْ
أو هراواتُ تجرُّ القلبَ
من خلفِ الضلوعْ
أو رصاصٌ يأكلُ الجائعَ
حتّى لا يجوعْ !
أنا لم أشهر هنا غيرَ الخُطى
سِرتُ على صمتٍ وفي كفّي شعاري
هل يُعَدُّ المشيُّ وجهاً ثانياً للإنتحارِ ؟
عجباً من
سُلطةٍ
تذبحُني
ثم تقاضيني
إذا أعلنتُ للناسِ
احتضاري !
* * *
بعدَ يومٍ
داهمَ الشًرطةُ
داري
ثم قادونا إلى محكمة الأمنِ
وألقى الناهقُ
الرسميُّ منطوقَ القرارِ :
داهمَ الشرطةُ وكراً للقِمارِ
ولدى الضَبْطِ
رأوا فيه فتىً يقرأُ قرآناً ،
ومجنوناً
جريحاً نصفَ عارِ
يدَّعي أنَّ اسمَهُ كانَ وما زالَ
"
أبو ذرِّ الغِفاري "!