(لصلاة الصبحِ عندي خير من ألف فتح)
"أبو موسى الأشعري"
يذكر سيدنا أبو موسى عن جيش المسلمين أنه دخل مدينة تُسْتَر عند أذان الفجر، وبدخول المسلمين بدأت المعركة ذات البأس الشديد بين المسلمين والفرس، فلم يتمكن المسلمون من صلاة الفجر في أول الوقت، وظل القتال مستمرًّا حتى بعد أن طلعت الشمس، ومن شدة ضراوة المعركة لم يتمكن المسلمون من الصلاة إيماءً كما حدث في جَلُولاء فقد صلَّى المسلمون إيماءً برءوسهم وهم على الخيول، وبعد أن أتمَّ اللهُ نصره للمسلمين صلَّى المسلمون الصبح بعد شروق الشمس، وكلما ذُكِرَتْ صلاة الفجر أمام سيدنا أبي موسى الأشعري بعد موقعة تُسْتَر كان يقول: والله لقد ضُيِّعَتْ علينا صلاةُ الصبح، لصلاة الصبح عندي خير من ألف فتح. يتألم أبو موسى الأشعري من صلاة فجر ضيعها في وقتٍ السيوف فيه على الرقاب، ولم يتمكن من صلاتها إيماءً، فهو يحزن على ضياع هذه الصلاة وعنده ما يعتذر به، فلا بد من حمل هذا الأمر على محمل الجد، فتضييع صلاة الفجر أو تضييع فرض من الفروض أحد عوامل الهزيمة الرئيسية للمسلمين، فما نراه من ضعف قد حَلَّ بالمسلمين ليس له إلا سبب واحد، ذكره سيدنا عمر بن الخطاب للجيوش الإسلامية: "إنكم تُنصَرون عليهم بطاعتكم لله ومعصيتهم لله، فإن تساويتم في المعصية كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العُدَّة والعتاد".
فبمجرد تخلِّي المسلمين عن طاعة الله يتخلَّى الله عنهم، وإن نصروه نصرهم، كما قال في كتابه: {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ} [محمد: 7]؛ فنرى أن جحافل الفرس تُدَكُّ تحت سيوف المسلمين مع قلة المسلمين وكثرة الفرس، ورغم الحصون العظيمة التي يمتلكها الفرس إلا أنها لم تغنِ عنهم شيئًا، وهذا النصر يُتمُّه اللهُ للمؤمنين في حال طاعتهم له I، أما إذا عصى المسلمون أميرهم (وكما نعلم أن معصية الأمير معصية لله)، وارتُكِبت المعاصي، وتملكت الدنيا من قلوب المسلمين فستأتي الهزيمة، فالأمر في منتهى الوضوح، والرسالة قصيرة: وهي أن النصر لا يأتي إلا بطاعة، وما عند الله لا يُنَال إلا بطاعته، فلو فرَّطت الأمة في صلاة الصبح فلن يتنزل عليها النصر، ولو ضيعها فرد واحد فهذا الإنسان لن يُنصرَ في المحيط الذي يتعامل فيه، وإذا كان هذا هو دَيْدَن الأمة في وقت ما؛ فهذا يفسر تأخرها.
وقد يتعلل البعض بوقت صلاة الفجر، ولكن لم يكن الله ليفرض على الإنسان شيئًا يعجزه، فالله أعلم بما يصلحنا وما ينفعنا وهو أعلم بأنفسنا من أنفسنا، وما كان الله ليكلف نفسًا إلا وسعها، وهذا حتى يعلم الله الصابرين والصادقين في إيمانهم مع الله، وليمحص المؤمنين ممن يسير في الركاب، فإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة؛ ففي عهد الرسول كانت صلاة الفجر هي الفارقة بين المؤمن والمنافق، فهذه الصلاة ثقيلة على المنافق، وهذه رسالة من سيدنا أبي موسى الأشعري يوضح فيها للمسلمين مدى أهمية صلاة الفجر في حياة المسلم.
--